Pages

الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

الجانب المظلم من النهاية


العاشرة مساءاً في واحد من أحياء مدينة الازدحام داخل بار ملحق بفندق متوسط الحال، كانت محاولات الرجوع مستمرة مع كل زجاجة جعة، يتمدد الكحول بدفئه الرقيق تدريجياً من الأطراف إلى الداخل حتى يبلغ ذروته في العقل ..
يعدوا منادي بين أذنيك .. يا أرض الأمل لبيك، أين مكانك في هذا الضباب الكثيف .. يا حضن الأمان لبيك، دلني عليك .

متعة مذاق المرارة في كل زجاجة يشبه الاشتياق في الحب، خلف كل رشفة دفئ يحلق في سماء صدرك ورغبة في استمرار الحياة والنبض لمزيد من الوقت ..
تختلف الاتجاهات في داخل خارجك، تحسبها فلسفة من الأرض .. الأم الاولى 

يتبدد الخوف من الموت، تراه جميلاً، يبتسم برقة ويدعوك إليه، خلفه يجتمع حشد من الأحباب الراحلين، صديقك الذي أصابه السرطان في رئتيه ونهش دواءه كل جمال ليحوله إلى جسم شاحب في أنين دائم مستسلماً لمصيره، ها هو أمامك بلا مرض، جميل كما عهدته في أيام الدراسة الجامعية ..
أقرباء وأصدقاء .. كلهم في أحسن حالاتهم، منيرين في عينيك.. لا بثور أو ندوب، لا ألم في عيونهم و ملامحهم .. فقط يبتسموا في أريحية تامة، ينظرون إليك بحب واشتياق شديدان ..

تطلب من الموت بعض الوقت لتنهي الزجاجة الأخيرة، يومئ موافقاً دون أن تفارق بسمته عيناه وشفتيه، تختفي المرارة من زجاجتك الأخيرة في مرارة حلوة، تتعجب في كل رشفة وأنت تنظر إلى الموت المبتسم في محاولاتك لتحديد نوع المرارة .. مُرة أم حلوة المرارة، تضئ داخلك ببطء دفئها المعهود، تغسل آلامك وتشعر للمرة الأولى براحة كاملة في كل شهيق و زفير، يختفي الألم المزمن في صدرك ..

تبتسم وتدمع عيناك فرحأً واشتياقاً، تنظر إلى موتك المبتسم، تنتهي من الرشفة الاخيرة في الزجاجة سريعاً وتخرج  كل ما في حوزتك من أموالك، تضعها على المنضدة، وتقف ناظراً إليه، يقترب إليك بمحبة، يحضتنك، يغمرك بدفئ وراحة لم تشعر بهما إلا في رحم أمك قبل أن تخرجك إلى عالم الأوجاع، ها أنت تعود من حيث أتيت ..

تشعر بـ لذة التعلق في موتك أكثر وأكثر، تسمع ارتطام قوي خلفك، ترى جسدك على الأرض، تقترب إليه مودعاً، تريحك الإبتسامة الثابتة على شفتا جسدك، والنظرة السعيدة الخالية في عيناه، عينان تسبح في فضاء غير مرئي، خاص بهما فقط ..
تترك على جبين وجهك قبلة وداع دافئة، يمر شريط سريع من ذكريات تخصكما معاً، تبتعد لتترك المشهد للمذعورين المجتمعين حول جسدك، يحاول بعضهم ايجاد طبيب والبعض الآخر يجري اتصالات بنجدة ما تنقذك، تعرف أنت انها النهاية ..

تدير ظهرك للمشهد وتنضم لحشد الأحياء الذين جاءوا لاستقبالك، تحتضنهم باشتياق جارف مستفسراً عن ماذا بعد الآن ؟
لا تنتظر اجابة، تقول : " للمرة الأولى لن يأتي الأمس غداً " ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق